"جراح في غزة".. طبيب مغربي يوثق شهراً من المآسي تحت القصف الإسرائيلي
"جراح في غزة".. طبيب مغربي يوثق شهراً من المآسي تحت القصف الإسرائيلي
لم يتمالك الطبيب المغربي خالد رشدي، المتخصص في جراحة العظام والمفاصل، دموعه في أكثر من مرة، وهو يروي تفاصيل ما عايشه خلال شهرٍ قضاه داخل قطاع غزة تحت القصف، ضمن مهمة إنسانية طبية في قلب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023.
أكّد رشدي، في مقابلة مع وكالة أنباء الأناضول، نشرت اليوم الأربعاء، أن فكرة التوجه إلى غزة راودته منذ بدء الحرب، خاصةً أنه نشأ في عائلة تهتم بقضايا الأمة، قائلاً: "كان واجباً دينياً وإنسانياً.. وسأُحاسب عليه يوم القيامة".
باشر البحث عن وسيلة للدخول إلى القطاع، وتمكن من ذلك لاحقاً عبر تنسيق مع "جمعية إغاثة أطفال فلسطين" الأمريكية.
يقوا إنه تردد في البداية بسبب المخاطر، لكنه استعاد الثقة بسبب تجربته السابقة في غزة عام 2008، مضيفًا: "عائلتي تقبّلت القرار رغم المخاطر.. لأن الدوافع كانت واضحة".
الطريق إلى غزة
سافر رشدي إلى الأردن قبل رمضان الماضي في محاولة لدخول قطاع غزة، لكن الجمعية ألغت التحرك حينها بسبب تصاعد القصف، ما اضطره للعودة إلى المغرب مؤقتًا.
تمكن لاحقاً من دخول غزة في 8 أبريل، حيث تنقّل بين مستشفى ناصر في خان يونس ومستشفى الشفاء بمدينة غزة، وسط خطر مستمر على حياته.
وتابع: "كنا نتوقع كل شيء، فكل بقعة في غزة مستهدفة، حتى المستشفيات.. لم يكن هناك مكان آمن".
عمل تحت القصف
عمل رشدي ضمن وفد طبي مكوّن من عدة جنسيات عربية وأجنبية، مشيرًا إلى أن كل فرد فيه تحرّك بدافع إنساني خالص.
أوضح أن القصف الإسرائيلي كان متواصلاً، لا يتوقف، وصوت الطائرات المسيّرة (الزنانات) لم يفارق سماء القطاع، قال: "كل ساعة أو ساعتين نسمع انفجارًا جديدًا".
وصف وضع مستشفى الشفاء بـ"الكارثي"، مشيرًا إلى أن جزءًا منه فقط أُعيد تشغيله رغم حجم الدمار، في حين عمل الطاقم في مستشفى ناصر داخل غرفتي عمليات فقط، وسط نقص حاد في المستلزمات.
أضاف: "عملنا بما توفر، وسط ضغط رهيب وكثرة الإصابات، كانت ظروفًا مأساوية بحق".
كوادر مرهقة
أكّد الطبيب المغربي وجود نقص حاد في الكوادر الطبية، وأن العاملين الحاليين يشعرون بإرهاق جسدي ونفسي شديد، إذ يعملون دون توقف بينما عائلاتهم تعيش في خيام مهددة بالقصف.
قال: "كان بالهم مشغولًا طوال الوقت: هل عائلاتهم على قيد الحياة؟ هل وجدوا ماء أو طعاماً؟".
نوّه إلى أن الإصابات كانت مروّعة، قائلاً: "رأينا مشاهد لا تُحتمل؛ بتراً في الأطراف، إصابات في الرأس واليدين والرجلين، وبعضها في كل أنحاء الجسد".
تأثّر رشدي بشدة، وتوقف عن الحديث مرات عدة بسبب تأثره العاطفي، قبل أن يُكمل: "كل شيء بشع في الحياة وجدناه في غزة".
وفد متعدد الجنسيات
رافق رشدي في الوفد أطباء من الأردن وسوريا والعراق، إضافة إلى إيرلندي وأسترالي ليس لهم خلفية عربية أو إسلامية، لكنهم جاؤوا بدافع إنساني بحت.
التقى خلال وجوده في مستشفى ناصر مع طبيب مغربي زميل له لم يره منذ عقدين، حين درسا معًا في فرنسا.
أشاد بجهود الأطباء الذين زاروا غزة، ومن بينهم يوسف أبو عبد الله، أحمد زروال، زهير لهنا، وأيوب أمغار، مؤكدًا أن الجميع عمل بإخلاص وتفانٍ رغم الإمكانيات المتواضعة.
وشدّد رشدي على أن هناك حاجة ماسة للأدوات الطبية والدعم المالي، إلى جانب ما وصفه بـ"الدعم المعنوي" الذي قال إنه "يُحدث فرقًا كبيرًا لدى الفلسطينيين".
قال: "فرحتهم بوجودنا لم تكن فقط طبية، بل معنوية بالدرجة الأولى.. لقد شعروا أن العالم لم ينسَهم".
رغبة بالعودة
أعرب رشدي عن رغبته في العودة إلى غزة قريبًا، وقال: "تركتهم في وضع مؤلم جدًا.. وهم بحاجة لكل يد تساعدهم".
أكّد أن الفلسطينيين يمتلكون إيمانًا قويًا بعدالة قضيتهم، رغم المآسي، وأضاف: "رأيت صمودًا عجيبًا، وإيمانًا بأن النصر آتٍ بإذن الله".
ختم بقوله: "رغم ما فقدوه من أهل وأحبة، فإنهم راضون بقضاء الله.. وهذا إيمان لا يمكن وصفه".
إبادة مستمرة
منذ أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حرب إبادة شاملة على غزة، أدت إلى استشهاد أكثر من 54 ألف شخص، وإصابة أكثر من 124 ألفًا، معظمهم من النساء والأطفال، في ظل دمار شامل للمنشآت الصحية والتعليمية، ومجاعة متفاقمة طالت الصغار والكبار.
وتستمر الجرائم وسط صمت دولي، رغم صدور أوامر من محكمة العدل الدولية بوقفها، ما يجعل المساعدات الفردية والمهام الطبية الإنسانية مثل مهمة الطبيب رشدي ذات أهمية قصوى في ظل الحصار.